قراءة فى كتاب " افريقا والتحدي " (1) - أحمد داود



تنبع أهمية الكتاب من شخص مؤلِفِه، فهي عالمة البيئة الكينية وانغاراى ماثاي الحاصلة على جائزة نوبل تقديرا لإنجازاتها فى مجال البيئة، فهي المؤسِسة لحركة الحزام الأخضر التى عملت على مساعدة المجتمعات المحلية فى زراعة الأشجار لتحسين أرزاقها، وحماية بيئتها. كما أنها عملت فى الحكومة الكينية وشاركت فى العديد من الجهود الدولية لمساعدة افريقيا وحماية البيئة، هذه الخبرات على المستوى الدولي والمحلي كما تقول ماثاي فى كتابها هي التى شكلت نظرتها العالمية للتحديات التى تواجهها افريقيا. كما أن هذه الخبرات أضفت على الكتاب لمسة واقعية، ليكون بمثابة تأريخ توصيفي لمعاناة الإنسان الافريقي فى العصر الحديث.

تبدأ ماثاي كتابها بعرض قصة فلاحة تزرع على التلال فى مدينة ياوندى عاصمة الكاميرون، تقول ماثاي أن الطريقة التى كانت تزرع بها هذه المرأة تتعارض بشكل مباشر مع كل المبادئ التى عَرفتها للمحافظة على التربة والأنواع. كما أنها تضع يدها بشكل مباشر على معاناة افريقيا الحقيقية، وهي أنه بينما يستمر المسؤولون الحكوميون ومسؤولي المؤسسات الدولية يعقدون مؤتمراتهم فى الفنادق الفاخرة ليناقشوا قضايا البيئة والتصحر فى افريقيا، تستمر هذه الفلاحة فى تدمير التربة على التل، فالنخبة فى عزلة تامة عن الواقع، فما يهم المسؤولون الحكوميون هو تقديم الأوراق التى تثبت استحقاقهم للمساعدات الدولية، وما يهم المانحين هو ضمان استغلال موارد افريقيا الطبيعية ولا أحد يهتم بهذه الفلاحة القابعة فوق التل تمارس تدميرا غير متعمد للتربة.

فعلي المانحين والمسؤولين الحكوميين أن يخرجوا من قاعات مؤتمراتهم، وأن ينزلوا من سياراتهم الفارهة ليلقوا نظرة على هذه السيدة فوق التل. فإذا كان مقدرا لافريقيا أن تتقدم وجب علينا جميعا العمل مع هذه المرأة فوق التل فهذا هو المكان الذى يجب على المانحين والمسؤولين أن يوجهوا إليه جهدهم ويركزوا حوله نقاشهم.

ومن الانصاف ألا نلقى باللوم التام على هذه الفلاحة لمحاولة تدبير مصدر رزقها، ولكن اللوم كل اللوم يقع على الحكومة التى لم تسحن استغلال ميزانيتها العامة فى الانفاق على التوعية وتعليم المرأة  ومساعدتها في الحصول على المعلومات والمعدات الحديثة والدعم الحكومي الذى يمكّنها من الزراعة على نحو أكثر استدامة وأقل تدميرا.

تشير وانغاري ماثاي إلى أن التحدي الحقيقي الذى تواجهة افريقيا هو تحدى القيادة، تلك القيادة الحكيمة التى يجب عليها أن تعطي الأولوية إلى الاستثمار فى البيئة والتعليم والصحة وليس الدفاع والأمن الداخلي الذى عادة ما يُستخدم لردع المواطن الافريقي في حال تذمره على سوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، فالقادة الأفارقة يجب أن يضعوا شعوبهم نصب أعينهم وأن يبدأوا فى تحديد الأولويات التنموية بصدق وليس القيام بالمشروعات العملاقة بُغية لفت الأنظار والوفاء باحتياجات المستثمرين على حساب شعوبهم.

وتؤكد ما ثاي فى كتابها مرارا وتكرارا على أن التحدي الحقيقي الذى تواجهه افريقيا هو تحدى القيادة، فلكي تستطيع افريقيا أن تمر من نفق الجوع والمرض والنزاعات بسلام وجب علي قادتها تطبيق مبادئ الحكم الرشيد، الذى يعتمد على الشفافية والمصداقية من خلال اتاحة الفرصة أمام الشعب الافريقي ليحدد أولوياته التنموية بنفسه وكذلك من خلال مؤسسات تشريعية حرة نزيهة ومجتمع مدني فعال يراقب الحكومة ويشرف عليها ويحول دون استبدادها بمقدرات الشعب الافريقي، فالحكم الرشيد من شأنه أن يعزز قدرة الشعوب الافريقية على استغلال مخصصات التنمية التى تحصل عليها من المؤسسات المانحة الدولية. 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

دولة المعاتيه - أحمد داود

تـحدي القـــيادة الافـــريقية بيـن تنظيـر زكـي وواقعيـة ماثـاي - أحمد داود