لماذا نرفض قرض صندوق النقد؟ - محمود عبدالعزيز



لم أعتد الكتابة فى الإقتصاد , لكن الأمر يتعدى الحديث بالمعنى الفنى , إلى حديث فى صلب الهم الوطنى السياسي والإجتماعى بشكل عام ,ومن هنا نبدأ...

الإجابة, فى سؤال عن ما هو الدور الذى يُراد لمصر أن تلعبة فى تقسيم العمل الدولى ؟
ثم عن طبيعة الإقتصادات التى تمكن الدول من الصمود فى مواجهة التحديات , والصدمات الخارجية ؟
ثم عن طبيعة الدور الإجتماعى الذى تلعبة الدولة ويلعبة القطاع الخاص ؟وبالأحرى سؤال عن حدود الدور الذى تلعبة الدولة إقتصادياً وإجتماعياً؟


• أولاً, المقصود بتقسيم العمل الدولى , هو دور مصر فى الإقتصاد العالمى , هل هى منتج صناعى أو تكنولوجى كبيرفى قطاعات بعينها , أو زراعى كبير فى محاصيل بعينها (القطن , قصب السكر ...إلخ ), وهكذا , وبالتالى فى إطار مبدأ الإعتمادية بين الدول فى عصر العولمة , تتخصص أو تتركز إقتصادات بعينها فى مجال بعينه وتبقى إحتياجاتها الأخرى منتجه فى أسواق أخرى , وعادة كان يركز الصندوق فى مصر على قطاع الزراعة وأهمية تطويرة ,وهذا يعكس رؤيته لدور مصر فى تقسيم العمل الدولى , ( مثلما كان الإستعمار البريطانى بيعتمد على مصر فى إنتاج القطن لتشغيل مصانع النسيج فى إنجلترا), والسيد طارق عامر صرح ان الهدف الأن تحويل مصر لسوق مالى كبير(مركز لبورصات وشركات تجارية وبنوك عالمية , لها دور مهم فى المعاملات المالية الدولية) , وهذا بيعكس رؤية الصندوق والحكومة - التى تتبع سياسات نيوليبرالية- حول طبيعة الإقتصاد المصرى كإقتصاد خدمات , لا حديث هنا عن أى صناعة بشكل أساسى , فضلاً عن الدفع نحو فرض ضريبة القيمة المضافة التى تناقش امام البرلمان الأن ), وهى لها أعباء كبيرة على الطبقات الإجتماعية الضعيفة , التى ستتحمل إرتفاعات فى الأسعار , بالإضافة لسياسة تعويم الجنية , الهادفة لتخفيضه لسعر قريب جدا من السوق غير الرسمى .

• خبرة مصر مع الصندوق ,ومع العديد من المساعدات الأجنبية فيها كانت تحتوى حديث دائم عن دور القطاع العام , وطبيعة هيكل الإقتصاد ودور الدولة ...إلخ , كان بيتم إشتراط فتح مزيد من المجال للقطاع الخاص والإستثمار الأجنبى , بيع جزء من القطاع العام للقطاع الخاص, تقليل المزايا التنافسية التى يحظى بها القطاع العام , واليوم لا يوجد قطاع عام منافس أصلا للحديث عن تفكيكه ,وبالتالى لم يتبق فى الدولة المصرية من يقوم بدور إقتصادى منتج وفعال سوى القوات المسلحة , ودور القوات المسلحة فى الإقتصاد ليس جديداً ولكن بروزة السبب الأساسى فية هو ان القطاع العام المدنى لم يعد يقوم بدورة بشكل كبير, وبالتالى أصبح الجيش وحيدا على الساحة ), وهنا ننوه لعدة أمور.


1- الجيش لا يدير المشروعات لحسابة الخاص بعيداُ عن الموازنة العامة (بالطبع هناك مشروعات تمثل إستثمار خاص للقوات المسلحة كالفنادق على سبيل المثال ), لكن الجيش اليوم يشرف على التنفيذ ,وينفذ جزئياً برنامج الدولة فى التنمية , كالمشروع القومى للطرق , وحفر التفريعة الجديدة وخلافه , بمساعدة شركات القطاع الخاص( هنا يمكن الحديث عن مساهمة الجيش فى تأسيس دور لرأسمالية مصرية من خلال عملية الإشراف )

2- انتقل الحديث فى المؤسسات الدولية عن دور الجيش الإقتصادى ,وهومفهوم لأنه لا يوجد قطاع عام أصلا مهم وقوى لتفكيكه لصالح القطاع الخاص المحلى والاجنبى , لم يتبق سوى القوات المسلحة التى يتم توجيه الإنتقادات لها ولدورها , (الإيكونوميست منذ أيام ,وبلومبرج اليوم) , وبالتالى إزاحة الجيش عن القيام بالدور الإشرافى فى جوهرة , هو إزاحة لأخر ما تبقى للدولة من أداة للتدخل الإقتصادى , ولست أفهم لماذا يهاجم أصحاب التوجهات اليسارية عموما الدور الذى تقوم به القوات المسلحة والهجوم الدولى عليها إلا أنه نكاية فى الحكم الحالى , وتناقض مع المبادئ الإقتصادية التى ينادون بها ,من ناحية ان الإنتقادات الدولية توجه على قاعدة نيوليبرالية بالأساس.

3- حديث البعض عن أن الجيش مؤسسة دفاعية بالأساس ولا علاقة له بالإقتصاد , لا يستحق الرد , لأنه حتى لو سلمنا جدلاً أنها مؤسسة دفاعية فهى أيضا تحتاج لقاعدة صناعية إنتاجية خاصة بها لتموين السلاح والمعدات المدنية , والغذاء والملبس ,وبالتالى سيصبح له دور إقتصادى أيضاً, وبالتالى تفكيك الدور الذى يقوم به الجيش الأن دون إحياء القطاع العام المدنى , هو تفكير أخر ماتبقى للدولة المصرية من دور.


• أما قولنا عن طبيعة الإقتصادات القوية التى تستطيع الصمود , هو ان القطاع الخاص والأجنبى لا يمكن أن يمثل قاطرة لتنمية وطنية حقيقة فى الدولة المصرية , دون مشاركة فاعلة وقوية من الدولة التى عليها أن توجه الإستثمارات للقطاعات الإنتاجية بأنوعاه وكثيفة العمل (ما يحدث أن القطاع الخاص والأجنبى يذهب للقطاعات ذات الربحية العالية, والإستهلاكية بشكل أساسى), وبالتالى إعتقادنا الشخصى أن مصر لا يمكن أن تتقدم وتحدث تنمية مستدامة إلا فى إطار إستراتيجية عمل وطنية فى المقام الأول , تتمتع بأكبرقدر من الإستقلالية عن التبعية الدولية التى يتم التأسيس لها أو تم بالفعل منذ سنوات , وبالتالى فى حالة أزمة دولية فى إقتصاد تابع على هذا النحو لا يمكن أن نصمد أيام ,وسيصبح مطلوبا من الدولة أن تقوم بدورها الإقتصادى الكامل , ولن تستطيع ,والسيناريوهات هنا مفتوحة لخيال كل من يقرأ , وإستقلالية الإقتصاد المصرى لا تعنى عزلته ,وإنما تنوع قطاعاته المكونة له .

• قرض صندوق النقد لا يمكن أن يبنى قاعدة قوية لإقتصاد وطنى قوى , فضلاً عن أن الدور الإجتماعى فى دولة كمصر لا تستطيع أن تمارسة غير الدولة بشكل أكبر (ورغم ذلك لا تمارسة بالفعالية التى نتخيلها ), بينما القطاع الخاص فى إطار الحديث(عن المسؤلية الإجتماعية له ), لم تتبلور تلك الفكرة فى مصر او تخرج عن نطاق مبدأ الإحسان , فضلا عن عدم تمتعها بإطار تنظيمى جامع يمكن توجيهه أو تركيزة من خلال إستراتيجية تنموية فى قطاعات بعينها يجب توجيه الإنفاق الإجتماعى لها (التعليم – الصحة – الغذاء الشعبى ..إلخ).
وللحديث بقية...

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءة فى كتاب " افريقا والتحدي " (1) - أحمد داود

دولة المعاتيه - أحمد داود

تـحدي القـــيادة الافـــريقية بيـن تنظيـر زكـي وواقعيـة ماثـاي - أحمد داود